" - ابني يحب أخته حبًا جمًا، ولكنه لا يكف عن عضها .. ماذا أفعل معه؟ ساعدوني بالله عليكم فقد تعبت.. = يحبها ويعضها؟؟ كيف يعني
= حنون معها ويعضها؟ أجل ماذا سيفعل لو لم يكن حنونًا.. =... "
كان هذا جزءًا من حوار دار في مجموعة للأمهات على منصة الفيسبوك، وهذا النقاش يتكرر كثيرًا بشكل أو آخر في جميع بيوتنا ومجالسنا، ويعطينا نظرة عن واقع تعاملنا الخاطئ غالبًا مع سلوكيات الأطفال السيئة وخلطنا بين السلوك وبين الطفل وتجاهلنا للقاعدة التي نٌصّر عليها ونكررها كثيرًا في منصتنا وهي: " السلوك السيء لا يعني بالضرورة أن الطفل سيء"، وكل سلوك سيء للطفل خلفه تفسير وهدف قام من أجله الطفل بهذا السلوك، وفهمنا لهذه التفسيرات والدوافع والأهداف هو الطريق لعلاج هذه السلوكيات والتعامل معه، وهو ما سنسلط الضوء عليه بإذن الله في هذه السلسلة من المقالات التي نبدأ فيها اليوم بعرض أربع أهداف رئيسية خلف قيام الطفل بسلوكيات سيئة ونشرح كيف تنشأ هذه الأهداف وما سبب لجوء الطفل إليها ثم نستعرض في المقالات القادمة كيفية التعامل مع كل هدف وعلاجه بشكل مفصل على حدة، فقراءة ممتعة.
لفهم أفضل للطفل، دعونا نعرف احتياجاته الأساسية:
حتى تفسر السلوك، يجب أن تعرف الاحتياجات التي يبحث عنها المرء ويسعى لتحقيقها، وفي حالتنا: للطفل احتياجان رئيسيان يسعى دائمًا لأن يتوفرا له:
● الاحتياج للانتماء:
أن يشعر الطفل بالانتماء للمجموعة التي يعيش معها، أن يشعر أنه محبوبٌ دائمًا ، مرغوبٌ فيه دائمًا، مقبول بوضعه وصفاته كما هو.
ويغيب ويتأثر هذا الشعور عندما يوضع الطفل تحت قهر أو إلزام من أي نوع، " افعل ما نخبرك به دون أي نقاش"، " اصنع مثلما نصنع" " عندما كنت بعمرك لم أكن أرد على والدي فلا ترد أنت"، والقهر والإلزام والإجبار يا إخواني الكرام ليس من الإسلام ولا من التربية في شيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه حينما كان يدعو لأوامر الله كان يقنع بيه أصحابه ويشرحها لهم، وكان صلى الله عليه وسلم يحاجج غير المسلمين ويتحاور معهم ليقعنعهم بالدين من دون أن يجبرهم عليه، فما بالك بأوامرنا الدنيوية الحياتية لأطفالنا.
الإجبار يأتي في جو التربية الغير مطمئنة، التربية التي يستمد فيها المربي ثقته وشعوره بقوته من الطاعة المطلقة له، أو من سير أبنائه خلف تعليماته، لكن الثقة والشعور بالقوة الحقيقية تأتي من الأبوة والحب والرعاية وهو ما سيعزز بالتالي الشعور بالانتماء لدى الأطفال.
● الاحتياج للتقدير:
يحتاج الطفل أن يشعر بقيمته على المستوى المادي المحسوس والمستوى المعنوي الشعوري.
على المستوى المادي: بأن يشعر أنه قادر على تغيير محيطه، مساعدة أمه في تنظيف المنزل، تمكنه من ترتيب غرفته بنفسه، نزوله مع والده لشراء حاجيات المنزل.
وعلى المستوى المعنوي: أن يشعر بتأثيره الدائم على المحيطين به، وأن الناس ينتظرون وجوده، ويفرحون بحضوره.
● ماذا يحدث عندما لا تتوفر هذه الاحتياجات للطفل؟
يلجأ الطفل للسعي لتعويض هذين الشعورين، وإعادة بؤرة الاهتمام إليه من جديد، وانتزاع حاجته للتقدير أو الانتماء بطرق غير مشروعة تتمثل في سلوكه السيء، والطريف في الأمر أنه يفعل ذلك تلقائيًا لا شعوريًا، هو لا يعرف أن عنده احتياجات وأن عليه أن يسعى لتعويضه، وأن ما يفعله هو سلوك سيء، وحين يفعل هذا السلوك السيء، فهناك أربعة أهداف رئيسية نفهم من خلالها لماذا يفعله.
الهدف الأول: الاهتمام الغير مستحق
يسعى الطفل لأن يشعر أن الجميع مهتم به وحوله ويحظى بالانتباه الكافي، ولهذا الهدف 3 أسباب أو 3 شخصيات: - الطفل وُلد وجد نفسه محط اهتمام:
ولد أول - ولد أخير - ولد مريض..وهكذا، فيفترض أن الشكل الطبيعي للحياة أن يكون تحت الضوءـ وعندما يُنزع منه هذا الاهتمام أو حتى يتحول لاهتمام طبيعي يبدأ في سلوكه السيء وتمرده ليستعيد هذا الاهتمام.
- الحالة المعاكسة .. الطفل لم يجد اهتمام كافٍ منذ ولادته:
بسبب كثرة الإخوة مثلًا، أو كثرة مشاغل الوالدين، فالطفل يعاني من جوع الاهتمام ويسعى للفت الأنظار إليه
- الطفل لا يعثر على نوع الاهتمام الذي يبحث عنه:
وأشهر الأمثلة: الطفل الكبير المثالي الهادئ عندما يرى أخوه الأصغر المشاغب يحظى باهتمام ويحاول الجميع شراء سكوته وهدوءه وتحقيق طلباته حتى ينزل من على رأسهم، فيتحول هذا الكبير الهادئ إلى مشاغب حتى يحظى بذات الاهتمام.
الهدف الثاني: الحصول على السلطة
وهذا ينشأ من نوعين من المربين: مربي متسلط، فيسعى الطفل لتقليد والديه وأن يصبح مسموع الكلام مثلهم، متحكم صاحب القرار الأوحد.
ومربي فاقد للسلطة تمامًا، وكلام الطفل ورغباته هي التي تنتصر، فيعتاد الطفل أنه صاحب القرار، وحينما يعود المربي لمحاولة استعادة السلطة يبدأ الصراع ويظهر سلوك الطفل العنيد والسيء حتى لا تفلت منه هذه السلطة.
الهدف الثالث: الانتقام والظهور بمظهر القوة
حينما يسمع الطفل توبيخًا أمام الآخرين، أو شكوى منه لأعمامه أو أخواله، أو نقده أمام الأغراب، يشعر بالتهديد وأن احتياجه للتقدير اختفى فيندفع للسلوك العدواني أو السيء لينتقم لنفسه وليوصل رسالة للآباء مفادها: " سأريكم من أنا حتى تتعلموا كيف تلوموني جيدًا أمام الناس".
الهدف الرابع: الشعور بعدم الكفاءة
وبالتالي الإحساس الدائم أني كطفل لا أستطيع ولا أقدر، وأني بحاجة دائمًا لمن يوجهني ويرشدني، وهذا ينتج من نوعين من المربين:
- مربي كثير التدخل: وهذا مما جناه علينا فيضان المحتوى التربوي الذي أشعر الأمهات أنهم يجب أن يعلقوا على كل تصرف من تصرفات أبنائهم، ويبصموا على حركة من حركاتهم، وبالتالي ماتت في الطفل القدرة على التصرف وحرية الإبداع وتولد لديه شعور دائم بالاتكالية والرغبة في الاعتماد على الآخرين.
- مربي كثير النقد: فيفقد الطفل ثقته في نفسه.
وبالتالي لا يستجيب لأوامرك، ويصدر منه سلوك سيء لشعوره بالعجز وعدم قدرته على تنفيذ ما يُطلب منه.
وبهذا نكون لخصنا الأهداف الأربعة التي تدفع الأطفال للقيام بالسلوك السيء، فيا ترى ما الحل؟ وكيف نتصرف مع أولادنا؟ وهل هناك فرصة للتحسين في عمر كبير!
نعم هناك فرصة للحل دائمًا..
لا تأيسوا من تربية أبنائكم مهما كبروا، والتربية رحلة تعلم وتعليم مستمرة، فاستمر في غراسك واترك النتائج لله سبحانه وتعالى، وراقب مشاعرك مع ابنك الذي يقوم بسلوك سيء وقبل أن تتصرف، حاول أن تفسر دوافعه من هذا السلوك من بين الأهداف الأربعة التي حددناها " اهتمام - سلطة - انتقام - عدم كفاءة " ثم تعامل معه بناءً على البوصلة التي ركبها الله فيك وهي مشاعرك.
Comments